لا شيء يوحي بإمكانية ولادة الحكومة في وقت قريب في ظل الخلافات المحلية، لا سيما بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والتعقيدات الدولية والإقليمية المرتبطة بالتحوّلات التي أفرزتها نتائج الإنتخابات الأميركية، وما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات على مستوى ملفات المنطقة، خصوصاً بالنسبة إلى المفاوضات المنتظرة بين واشنطن وطهران.
ضمن هذا السياق، بات رئيس الحكومة المكلّف في موقع لا يُحسد عليه، في ظل تزايد الدعوات إلى إعتذاره عن المهمّة، خصوصاً من جانب رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، الذي قرّر الذهاب بعيداً في تصعيده، إنطلاقاً من رغبة أو مصلحة لديه في تقديم نفسه رأس حربة في مواجهة "المشروع الإيراني في لبنان".
بالتزامن، كان حليف الحريري الآخر، أي رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع قد قرر، منذ أشهر، البقاء بعيداً عنه، حيث يعتبر "الحكيم" أن الأولوية بالنسبة إليه اليوم هي التمسك بالدعوة إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة، الأمر الذي من المستحيل أن توافق عليه قوى الأكثريّة النّيابية بمعظم أركانها، وهو في الأصل كان يعتبر أن لا مصلحة لرئيس الحكومة المكلف بتولي المهمة.
بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، هذا الواقع يصعّب مهمّة الحريري الذي بات عليه أن يثبت أمام الكثيرين، في الداخل والخارج، أنّه ليس الشخص الذي يذهب إلى تقديم تنازلات أمام قوى الأكثرية النّيابية، في ظل حملة المزايدات التي يتعرض لها على الساحة السنية، حيث تبرز طموحات العديد من الشخصيّات الراغبة في الإصطياد في الماء العكر، بينما الخلفيّة الإقليميّة، الّتي من المفترض أن يعتمد عليها، لا تزال غير واضحة.
إنطلاقاً من ذلك، تشير تلك المصادر إلى أن تضامن جنبلاط وجعجع مع رئيس الحكومة المكلّف كان من الممكن أن يعزّز أوراق قوّته المحلّية في مفاوضات تشكيل الحكومة، وبالتالي تسهيل مهمّته التفاوضيّة مع أركان الأكثريّة النّيابية، نظراً إلى أنّ الحريري لا يفكر في تقديم تشكيلة تسقط في المجلس النّيابي بسبب عدم قدرتها على الحصول على الثقة، لا سيما أن تكليفه لم يكن بعدد أصوات وازن، لا بل هو اضطرّ إلى التواصل شخصياً مع أفرقاء في قوى 8 آذار من أجل زيادة هذا العدد.
ضمن قوى الأكثرية النّيابية، تؤكّد هذه المصادر أنّ القسم الأكبر لا يزال مؤيداً لإستمرار رئيس الحكومة المكلف في مهمته، لكن في المقابل لا يمكن إنكار أن "التيار الوطني الحر" لم يكن في الأصل يفضّل تكليفه، والأمر نفسه ينطبق على رئيس الجمهورية الذي سبق الإستشارات النّيابية اللازمة بمؤتمر صحافي، أكّد فيه عدم تخلّيه عن دوره في التكليف والتأليف.
وفي حين تضع مصادر نيّابية في كتلة "المستقبل"، عبر "النشرة"، موضوع إعتذار الحريري في إطار المصلحة العامة، أيّ أنّها تعتبر ذلك لا يصب في مصلحة لبنان، نظراً إلى أنه سيعني عملياً إنتهاء الأمل الأخير المتمثل بالمبادرة الفرنسية، وتؤكد أن رئيس الحكومة المكلف لن يذهب إلى خيارات شعبوية على حساب المصالح اللبنانية طالما أن هناك أملاً في الإنقاذ، تؤكد المصادر المتابعة أن مصالح الحريري الخاصّة أيضاً تفرض ذلك، نظراً إلى التداعيات السلبية على تخليه عن المهمّة قد تكون أكبر من المكاسب.
من وجهة نظر هذه المصادر، ينتظر رئيس الحكومة المكلّف ما قد يحصل من تطورات في الأيام المقبلة، خصوصاً على مستوى الحراك الفرنسي الذي من المفترض أن يعود إلى الواجهة في وقت قريب، بعد أن كان من المفترض أن يزور الرئيس إيمانويل ماكرون لبنان قبل نهاية العام الماضي، وتشير إلى أن هذا الحراك قد يكون هو منقذ الحريري من التعقيدات القائمة، لا سيّما أنّ باريس أيضاً تراهن على تفويض أميركي لبنانياً في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أنّ حسابات الحريري، في المرحلة الراهنة، لا يمكن أن تتطابق مع حسابات جنبلاط وجعجع، فالأوّل مطمئنّ إلى حيثيّته الشعبيّة داخل الطائفة الدرزيّة، بينما رئيس الحكومة المكلّف يواجه منافسة شرسة داخل الطائفة السنّية، اما جعجع فيعتبر أن معركته تكمن في كسب الأكثريّة النّيابية المسيحيّة، من أجل إستثمار ذلك في الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة، في حين أن الحريري يرى أن مستقبله السياسي اليوم بات على المحكّ.